الأربعاء، 13 يوليو 2011

أحكام السنن الرواتب

أحكام السنن الرواتب
أحكام السنن الرواتب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من حكمة الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده أن شرع لهم التطوع، وجعل لكل عبادة واجبة تطوعاً من جنسها، ليكون جبراً لما قد يقع في الفرائض من نقص.

وإن من أفضل أنواع التطوع في الصلاة، السنن الرواتب حيث كان النبي صلى الله عليهوسلم يداوم عليها، ولا يدعهلا في الحضر أبداً.

ولأهمية هذه العبادة، وتكررها بتكرر الصلوات المفروضة، أحببت أن أبين بعضاً من أحكامها على وجه الاختصار.

فضل السنن الرواتب:

ورد في فضل السنن الرواتب عموماً حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بني له بهن بيت في الجنة».
قالت أم حبيبة: "فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال عنبسة: "فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة".
وقال عمرو بن أوس: "ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة".
وقال النعمان بن سالم: "ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس".
وورد في فضل راتبة الفجر حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
وفي رواية: «لهما أحب إلي من الدنيا وما فيها».

وهي أكد السنن الرواتب، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يدعها لا حضراً ولا سفراً.
وورد في فضل راتبة الظهر حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافظ على اربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار».

عدد السنن الرواتب:

دل حديث أم حبيبة رضي الله عنها المتقدم على أن السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، وقد جاء عند الترمذي والنسائي تفسير هذه الركعات فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة، أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر».

القراءة في راتبة الفجر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر:
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]
و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]

وعن سعيد بن يسار، أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره: أن رسول الله كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]
{آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52]

القراءة في راتبة المغرب:

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ما أحصي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

هل تصلي الأربع قبل الظهر بسلام واحد أم بسلامين؟

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "السنن الرواتب فيها تسليم، أي يصلي الإنسان من الرواتب أربعاً بتسليمتين، لا بتسلمية واحدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى».

هل لصلاة العصر سنة راتبة؟

يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "صلاة العصر ليس لها راتبة لا قبلها ولا بعدها، وإنما يسن للإنسان أن يصلي قبلها على سبيل الإطلاق".

راتبة الجمعة القبلية:

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "ليس للجمعة سنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، ولكن يشرع للمسلم إذا أتى المجسد أن يصلي ما يسر الله له من الركعات".

راتبة الجمعة البعدية:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصل بعدها أربعاً».
وفي رواية: «من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً».

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "أما بعدها أي الجمعة فلها سنة راتبة أقلها ركعتان وأكثرها أربع".

السنة الراتبة في السفر:

قال ابن القيم رحمه الله: "وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه أنه صلى سنة راتبة غيرهما".

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "المشروع ترك الرواتب في السفر ما عدا الوتر وسنة الفجر".

مكان السنة الراتبة:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجلعوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً» ولفظ مسلم: «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً».

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "الإنسان ينبغي له أن تكون جميع رواتبه في بيته.. حتى في مكة والمدينة الأفضل أن تكون الرواتب في البيت، أفضل من كونها في المسجد، في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا وهو في المدينة.. وكثير من الناس الآن يفضل أن يصلي النافلة في المسجد الحرام دون البيت، وهذا نوع من الجهل".

وقت السنن الرواتب:

قال ابن قدامة رحمه الله: "كل سنة قبل الصلاة، فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنة بعدها، فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها".

قضاء السنن الرواتب:

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك».

قال شيخ الإسلام ابن تيميمة: "وهذا يعم الفرض وقيام الليل، والوتر، والسنن الراتبة".

قضاء السنن الرواتب وقت النهي:

قال ابن القيم رحمه الله: "لما فاتته الركعتان بعد الظهر، قضاهما بعد العصر، وداوم عليهما، لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته، وقضاء السنن الرواتب في أوقات النهي، عام له ولأمته، وأما المداومة على تلك الركعين في وقت النهي، فمختص به".

وقت قضاء سنة الفجر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يصل ركعتي الفجر، فليصليهما بعد ما تطلع الشمس».

وعن محمد بن إبراهيم عن جده قيس قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي فقال: «مهلاً يا قيس أصلاتان معاً؟»
قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت الفجر
قال: «فلا إذن».

وعند أبي داود بلفظ: «فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم».

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "من دخل المسجد فأدرك الناس وهم في صلاة الصبح فصلى معهم فله أن يصلي ركعتين الفجر بعد فراغه من صلاة الصبح، ولكن الأولى له التأخير إلى ارتفاع الشمس قيد رمح".

إذا فاتت صلاة الفجر مع الجماعة فهل يبدأ بالراتبة أو الفريضة؟

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "يقدم الراتبة على الفريضة، لأن سنة الفجر قبل الفريضة، ولو خرج المصلون من المسجد".

الترتيب في القضاء:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان للصلاة سنتان قبلها وبعدها وفاتته الأولى فإنه يبدأ أولاً بالبعدية ثم ما فاتته، مثال ذلك: دخل والإمام يصلي الظهر وهو لم يصل راتبة الظهر فإذا انتهت الصلاة يصلي أولاً الركعتين اللتين بعد الصلاة ثم يقضي الأربع التي قبلها".

قضاء الرواتب الفائتة إذا كانت كثيرة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها لأنه متأكدة.. ثم إن كانت كثيرة فالأولى أن يقتصر على الفرائض لأن المبادرة إلى براءة الذمة أولى ولذلك لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الأربع يوم الخندق قضاهن متواليات.
ولم ينقل أنه قضى بينهن شيئاً.. وإن كانت صلاة أو صلاتين فالأولى أن يقضي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فاتته الصبح فإنه قضاها يسنتها".

التداخل بين ركعتي الضحى وراتبة الفجر إذا صلاها ضحى:

يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً، لأن سنة الفجر مستقلة، وسنة الضحى مستقلة فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى".

التداخل بين الراتبة وركعتي الاستخارة:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة».

قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معاً أجزأ بخلاف ما إذا لم ينو".

الشروع في الراتبة بعد إقامة الصلاة المفروضة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة».

قال النووي رحمه الله: "فيه النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها".

قطع الراتبة إذا أقيمت الصلاة:

يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "إذا أقيمت الصلاة وبعض الجماعة يصلي تحية المسجد أو الراتبة، فإن المشروع له قطعها والاستعداد لصلاة الفريضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة».

لكن لو أقيمت الصلاة وقد ركع الركوع الثاني فإنه لا حرج في إتمامها، لأن الصلاة قد انتهت ولم يبق منها إلا أقل من ركعة".

إذا علم أن الصلاة تقام قريباً فهل له أن يشرع في نافلة؟

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ينبغي أن يقال: أنه لا يستحب أن يشرع في نافلة يغلب على ظنه أن حد الصلاة يفوته بسببها، بل يكون تركها لإدراك أول الصلاة مع الإمام وإجابة المؤذن هو المشروع، لأن رعاية جانب المكتوبة بحدودها أولى من سنة يمكن قضاؤها أو لا يمكن".

رفع اليدين بالدعاء بعد السنة الراتبة:

قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "الصلاة النافلة: لا أعلم مانعاً من رفع اليدين بعدها في الدعاء، عملاً بعموم الأدلة، لكن الأفضل عدم المواظبة على ذلك، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو فلعه بعد كل نافلة لنقل ذلك عنه، لأن الصحابة قد نقلوا أقواله وأفعله في سفره وإقامته، وسائر أحواله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعاً.

متى يصلي الراتبة إذا جمع بين الصلاتين؟

قال النووي رحمه الله: "يفعلها بعدهما لا بينهما، ويفعل سنة الظهر التي قبلها قبل الصلاتين".

هل يصلي الراتبة أم يستمع للموعظة؟

أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بقولها: "يشرع للمسلم إذا ألقيت الموعظة بعد الصلاة أن يستمع لها ثم يصلي الراتبة كالظهر والمغرب والعشاء".

تقديم أذكار الصلاة على أداء السنة الراتبة:

سئل الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله: "إذا صليت على جنازة بعد المغرب هل آتي بالراتبة مباشرة بعد الصلاة على الجنازة أم أكمل الأذكار ثم أصلي الراتبة؟

فأجاب: يفضل أن تجلس وتكمل الأذكار ثم تصلي الراتبة، فهذا المشروع سواء كان هناك جنازة أو لم يكن، فالأذكار أو أوراد يؤتى بها بعد الفريضة يسن المحافظة عليها وعدم الإخلال بها، فإذا قطعتها للصلاة على الجنازة فبعد الفراغ من صلاة الجنازة في إمكانك التدارك وتكميل ما بقي منها ثم الإتيان بالراتبة وهي صلاة السنة البعدية، ويعم ذلك الظهر والمغرب والعشاء في تأخير الراتبة بعد الأذكار".

الاشتغال بإكرام الضيف عن السنة الراتبة:

يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "الإنسان قد يعرض له أعمال مفضولة في الأصل ثم تكون فاضلة في حقه لسبب، فلو اشتغل بإكرام ضيف نزل به عن راتبة صلاة الظهر لكان اشتغاله بذلك أفضل من صلاة الراتبة".

تنفل الموظف بعد الصلاة بالراتبة أو غيرها:

يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "أما التنفل بعد الصلاة بغير الراتبة فلا يجوز لأن وقته مستحق لغيره، بمقتضى عقد الإجازة أو الوظيفة، وأما الراتبة فلا بأس بها، لأنها مما جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين".

هل ترك السنة الراتبة يعتبر فسقاً؟

يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "قول بعض أهل العلم: إن ترك الرواتب فسوق قول ليس بجيد، بل هو خطأ، لأنها نافلة، فمن حافظ على الصلوات الفريضة وترك المعاصي فليس بفاسق بل هو مؤمن سليم عدل، وهكذا بعض الفقهاء، إنها من شرط العدالة في الشهادة، قول مرجوح فكل من حافظ على الفرائض وترك المحارم فهو عدل ثقة، ولكن من صفة المؤمن الكامل المسارعة إلى الرواتب وإلى الخيرات الكثيرة والمسابقة إليها".

فـائـدة:

يقول ابن القيم رحمه الله: "جاء مجموع ورده صلى الله عليه وسلم الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يحافظ عليها دائماً سبعة عشر فرضاً، وعشر ركعات، أو اثنتا عشرة سنة راتبة، وإحدى عشرة، أو ثلاثة عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة، وما زاد على ذلك فعارض غير راتب.. فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائماً إلى الممات، فما أسرع الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم وليلة أربعين مرة، والله المستعان.

انتهى ملخصاً من كتاب أحكام السنن الرواتب لكاتب هذه الأسطر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إعداد عبدالله بن زعل العنزي
موقع وذكر الإسلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق